أبواب فاس العاصمة العلمية .. متاهة تاريخية واجتماعية وسياسية متشعبة

0 تعليق ارسل طباعة

الحديث عن أبواب فاس، هو حديث متاهة تاريخية، اجتماعية وسياسية متشعبة مترامية الأطراف، إنه حديث عن حكاية مدينة، تشترك أبوابها ومداخيلها في سرد أحداثها. منها أبواب بقيت قائمة منذ نشأتها الأولى، صامدة في وجه الأعاصير، الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات، والثوراث والتحولات السياسية، وأخرى لم يبق منها إلا الإسم، واندثرت معالمها أو اختفى وجودها.

في فترات كانت المدينة غير آمنة، جعلت لكل حي باب ولكل درب باب ولكل زقاق باب، فأطلقت أسماء هذه الدروب والأزقة على المناطق برمتها. مثل باب الزيات أو باب السلسلة، أو باب النقبة، وأبواب أخرى كانت منافذ في سور المدينة حملت أسماء قبائل وعشائر استوطنت هذه الجهة أو تلك إما في مرحلة إنشاء المدينة عام 789 م، أو في مراحل لاحقة مثل باب ريافة وباب الجزيين. أو أبواب ارتبطت برجال أولياء وعلماء مثل باب مولاي إدريس أو باب سيدي بوجيدة. فمن أقدم هذه الأبواب والتي تعود إلى حكم الدولة المغراوية الزناتية وحملت اسم مؤسسها.

باب فتوح

يمثل هذا الباب مدخلاً شرقياً لعدوة الأندلس، وقد تم بناؤه وكذا الحصن المنيع الموالي له بحي الكدان كواقٍ عسكري على إثر الصراع المرير الذي دار بين الأميرين الزناتيين بعد وفاة أبيهما دوناس بن حمامة. كانت فاس بعد أفول الدولة الإدريسية عاصمة للدولة المغراوية، وفي مرحلة ولاية دوناس بن حمامة كانت المدينة في أوجها؛ حيث “عظمت فاس وعمرت وكثرت أرباضها وقصدها الناس والتجار من جميع النواحي، فأدار دوناس السور على أرباضها وبنى بها المساجد والحمامات والفنادق واستبحر عمرانها، فصارت حاضرة المغرب من يومئذٍ، ولم يشغل دوناس من يوم ولي إلا بالبناء والتشييد”، حسب ما ذكره الناصري في كتاب الاستقصى سنة 452هـ/1060م. تولى بعده ابنه الأكبر فتوح شؤون الدولة، فاتخذ عدوة الأندلس مقراً له، فيما أسند إلى أخيه الأصغر عجيسة أمر عدوة القرويين. يقول عنه الناصري: “ونازعه الأمر أخوه الأصغر واسمه عجيسة، وكان شهماً محارباً، فاستولى على عدوة القرويين واستبد على أخيه، وافترق أمر فاس وأعمالها بافتراقهما، وقامت الحرب بينهما على ساق”.

أقام الأخوان في المدينة المقابلة ودارت بينهما حروب أثرت على المدينة حيث عانى الناس من المجاعة، وكان رؤساء الزناتيين يهاجمون الدور لأخذ ما لدى الساكنة من طعام. وعن هذه الفترة يقول ابن أبي زرع في روض القرطاس: “فاتخذ أهل مدينة فاس المطامير في ديارهم وبيوتهم للخزن والطحن والطبيخ، لئلا يُسمع دوي الرحى، وفيها أيضاً اتخذوا غرفاً لا أدراج لها؛ إذ كان في عشي النهار يصعد رجل فيها بسلم هو وعياله وأولاده، ثم يرفع السلم معه لئلا يُفاجئه أحد”.

عُزلت كل مدينة بأسوارها المحيطة بها عن الأخرى، وحطمت المنافسة بين الأخوين فتوح وعجيسة وحدة المدينة التي كانت قائمة. ومع قدوم الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين واستيلائه على فاس سنة 1062م، أمر بهدم الأسوار الفاصلة لتسريع الوحدة بينهما من جديد.

لاحقاً، وعلى ما يبدو، أُعيد بناء الأسوار حول المدينة بأكملها. فقد كتب صاحب القرطاس بعد الحصار الشديد الذي ضربه عبد المؤمن بن علي الكومي على فاس سنة 1145م: “وقطع عنها النهر الداخل إليها بالألواح والخشب والبناء حتى انحصر فوقها في الوطاء، فوصل إلى مستواه الأصلي ثم خرقه فهبط الماء عليهم دفعة واحدة فهدم سورها وهدم من دورها ما يزيد على ألفي دار”. وقال عبد المؤمن قولته المشهورة، “إنا لا نحتاج إلى سور، وإنما الأسوار سيوفنا وعدلنا”، في إشارة إلى غضبه من مقاومة أهل فاس.

اتخذ الموحدون مثل المرابطين فاس قاعدة رئيسية للحملات العسكرية، وخاصة المتوجهة إلى إسبانيا. وبذلك اضطر لاحقاً الخليفة الموحدي الرابع محمد الناصر، الذي حكم من (1199 ـ 1213)، إلى إعادة بناء ما دمره جده عبد المؤمن من الأسوار، وأحاط بها المدينة كلها، ولا يزال جزء من هذه الأسوار شاهداً على المرحلة الموحدية، كما أنشأ أبواباً ضخمة على طول هذه الأسوار، أشهرها باب المحروق.

لعب باب فتوح عبر التاريخ دوراً هاماً اقتصادياً وعسكرياً ودينياً، ليس فقط لعدوة الأندلس، بل لفاس قاطبة؛ فقد كان نقطة استقبال للقوافل التجارية أو نقطة انطلاق القوافل المتوجهة إلى الشرق سواء للتجارة أو للحج، وكذا الحملات العسكرية. ويقع بالقرب من مدافن علماء أثروا في التاريخ العلمي لفاس، مثل الدراس ابن إسماعيل وابن آجروم الصنهاجي، وعثمان السلالجي، وضريح الشيخ الصوفي ابن حرزهم الذي يرقد بجواره أول سلاطين المغرب من الدولة العلوية، الرشيد. وقد استُخدم جزء من الباب كمركز للشرطة وجباية الضرائب منذ فترة الاستعمار الفرنسي، واستمر مركزاً للشرطة لاحقاً بعد الاستقلال. ثم توالي هذه الباب من الجهة الشرقية لفاس أحد أهم الأبواب، التي تعود إلى مرحلة حكم الدولة الإدريسية.

باب الخوخة

الخوخة كما تُعرف في الهندسة المغربية الأندلسية هي “بابٌ صغير وسط بابٍ كبير نُصب حاجزًا بين دارين”، كما جاء في المعجم. وتوجد هذه الخوخة غالبًا في بوابات مداخل الدور وأبواب غرف البيوت العريقة. وقد ورد ذكرها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري والنسائي: “سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر”.

وقبل أن يغلب على هذه المنطقة، التي تقع في الجهة الشرقية لعدوة الأندلس، اسم “باب الخوخة” المعروف بها حتى اليوم، كانت تسمى “كرواوة” نسبة إلى قبيلة كروارة التي استقرت بها. فُتح هذا الباب في السور الشرقي لعدوة الأندلس بأمر من إدريس الثاني، حين أحاط المدينة بالسور، ليكون هذا الباب منفذًا للمسافرين إلى المناطق الشرقية من المغرب، تحت اسم “باب الكنيسة الثاني”. ونظرًا لأهمية منطقة “كرواوة” الاستراتيجية، كان إدريس الأول ومن بعده ابنه إدريس الثاني ينزلان بها للاجتماع بالقبائل.

غير أن هذا الباب، وكذلك باب الكنيسة الذي كان أيضًا على جهة سور منطقة نزول قبيلة كرواوة، أمر الخليفة الموحدي عبد المومن بهدمه سنة 1146م إلى جانب هدم أبواب أخرى وسور المدينة. لكن الضرورة الأمنية لحماية المدينة اضطرت الخليفة المنصور الموحدي لاحقًا إلى الشروع في إعادة بناء سور فاس من جديد، ثم أكمل ابنه محمد الناصر المشروع بعد وفاة أبيه، ومن بين ما أعاد بناؤه هذا الباب، وذلك سنة 1204م، وأطلق عليه اسم “باب الخوخة” بدل “باب الكنيسة”.

وكما ذكر ابن أبي زرع، فقد فرضت حاجة السكان إنشاء مستشفى لمرضى الجذام خارج هذا الباب نظرًا لانفتاحه على الناحية الشرقية، بحيث تحمل الرياح الغربية أنفاسهم وروائحهم بعيدًا عن المدينة، فلا يصلها شيء منها.

باب سيدي بوجيدة

ارتبط اسم هذا الباب باسم أحد علماء وأولياء مدينة فاس، الفقيه والإمام أبي جيدة بن أحمد اليزغيتني، ويعرف أيضًا بلقب “أبي النور”. وهو من أصل أمازيغي من قبيلة بني يازغة الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة فاس، وعلى الرغم من قوة معارفه وسعة علمه، كان يكسب قوته من الاشتغال بزراعة الخضر والفواكه في الحدائق خارج سور فاس. كان أبو جيدة من كبار العلماء والفقهاء في شمال إفريقيا وكبار الصوفية في عصره خلال القرن الرابع الهجري. وقد رحل في طلب العلم إلى الشرق الإسلامي، ما مكنه من توسيع مداركه العلمية، فأصبح متمكنًا من الفقه المالكي والشافعي في الوقت نفسه.

وقد اشتهر أبو جيدة بن أحمد بمسألة دفاعه عن أراضي أهل فاس من خلال فتوى ذكية واجه بها المنصور بن أبي عامر، الذي كان قاضي الجيش الأندلسي، كما يقول المؤرخ محمد التازي سعود. فقد احتاجت الدولة الأموية إلى الأموال، وأراد قاضيها جمع جزء من هذه الأموال عن طريق مصادرة هذه الأراضي، فسأل أهل فاس عن الأراضي التي يحرثونها: “هل امتلكوها عن طريق الصلح، أم أخذوها بالقوة؟ فإن كانت بالقوة، فهي ملك للدولة، وإن كانت عن طريق الصلح، فأين هي وثيقة الإثبات؟” فلم يجبه أهل فاس، وقالوا: “حتى يأتي الشيخ.” وحين جاء فقيههم، أبو جيدة بن أحمد، كرر عليه القاضي نفس السؤال الذي طرحه على أهل فاس. فردّ الفقيه قائلاً: “لا هذا ولا ذاك. ليست عن طريق الصلح ولا عن طريق القوة، فقد كان أجدادنا يحرثونها وهم كفار، ومنَّ الله عليهم بالإسلام وبقيت الأراضي بأيديهم.” فقال لهم القاضي: “خلَّصكم الرجل.”

ومن عادات الدفن والجنازة التي لا تزال متعارفاً عليها حتى اليوم في المغرب “صباح القبر”، أي زيارة قبر الميت أو الميتة ثلاثة أيام متتالية بعد الدفن. وسبب هذا العرف أن ابن أبي زيد القيرواني، صاحب كتاب “الرسالة” الفقهية، والذي كان مشهوراً عند أتباع المذهب المالكي بعلمه وسعة مداركه في الفقه في كل العالم الإسلامي حتى سُمي “مالك الصغير”، لما سمع بفتوى أبي جيدة بن أحمد اليزغيتني، جاء لزيارة الشيخ من بلده تونس، فوجده قد مات ودفن منذ ثلاثة أيام، فأقسم على البقاء عند قبره ثلاثة أيام. ومن هنا نشأ هذا العرف الذي بدأ في فاس وانتشر في سائر المغرب. تُوفي أبو جيدة رحمه الله سنة 976م، ودُفن خارج باب بني مسافر، الذي غلب عليه فيما بعد اسم باب سيدي بوجيدة، المنسوب إلى هذا الفقيه. وقد كانت لهذا الباب أسماء أخرى قديمة، مثل باب أبي سفيان الذي سُمي به عند بنائه، أو اسم باب بني مسافر الذي يُحتمل أنه يشير، كما يرى بعض الباحثين، إلى “قبيلة أو عشيرة عربية كانت تستقر في الموضع الذي يتواجد به الباب أو بالقرب منه، فأضيف الباب إليها.”

أشهر باب في غرب المدينة هو الباب المنافس لباب فتوح.

باب الكيسة

هذا الباب الذي كان اسمه الأول “باب حصن سعدون”، تحول حسب قول ابن خلدون إلى “جيسة” نسبةً إلى الأمير المغراوي عجيسة. ويقول ابن أبي زرع إن الأمير المغراوي فتوح هو من أمر بتغيير اسم الباب بعد أن هاجم عدوة القرويين ليلاً واستولى عليها وقتل أخاه عجيسة، وبذلك أعاد توحيد المدينتين تحت حكمه. وقد اختصر الاسم لاحقًا إلى “كيسة”. وهناك رواية أخرى تقول إن الخليفة الموحدي محمد الناصر هو من أمر بتغيير الاسم أثناء إعادة بناء أسوار وبوابات المدينة.

س هذا الباب الأمير المغراوي عجيسة، الأخ الشقيق الأصغر للأمير فتوح، تاسع أمراء دولة المغراويين. حكم المغراويون، بعد نهاية الدولة الإدريسية، أجزاءً كبيرة من شمال وشرق ووسط المغرب بين عامي 987 و1070م. وكانت دولتهم تحيط بالدولة البرغواطية من ثلاث جهات برية، باستثناء جهة البحر. كان المغراويون حلفاء للأمويين في الأندلس في نزاعهم مع الفاطميين في المغرب.

عجيسة بن دوناس بن حمامة بن المعز بن عطية المغراوي، الذي ولاه أخوه فتوح على عدوة القرويين، نافس أخاه في الحكم على المغرب واستبد بعدوة القرويين، ودارت بينهما حروب، كما ذكرنا سابقًا في معرض الحديث عن باب فتوح.

في إطار التحصينات العسكرية، بنى عجيسة أيضًا حصنًا مشابهًا فوق باب حصن سعدون الذي أنشأه إدريس الثاني، وذلك عند باب عجيسة، مشابهًا لما فعله أخوه فتوح حين بنى حصنه العسكري المنيع عند باب الفتوح في حي الكدان، في رأس عقبة السعتر، والتي تُعرف اليوم بـ عقبة الحلاسيين، وذلك عام 1061م.

لأهمية هذا الباب الاستراتيجية والتجارية والذي ينفتح على المناطق الشمالية الشرقية خارج المدينة وأسواقها، اهتم به الخليفة الموحدي محمد الناصر من ناحية البناء والتجديد. وفي عهد السلطان المريني أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق (1212 ـ 1286م)، أمر بتجديده وترميمه سنة 1265م.

باب “الكيسة” أو “عجيسة” تكوّنت حوله عدة مظاهر علمية وثقافية، حيث يوجد أمامه، على جهة السور الأيسر خارج الباب مباشرة، سقاية معطلة، بالإضافة إلى قبر الوزير والشاعر المغربي الكبير والقاضي مالك بن المرحل (1207 – 1299) السبتي، الذي أثنى عليه لسان الدين بن الخطيب، وكذلك العلامة عبد الله كنون في كتابه النبوغ المغربي. عاش ابن المرحل في أواخر عهد الدولة الموحدية، وله قصة مرتبطة بهذا الباب ذكرها في شعره. إذ قيل له إن النساء مدحن له امرأة من فاس فتزوجها، غير أنه بعد الدخول بها وجدها قبيحة، فهرب منها ليلة العرس وبات عند هذا الباب حتى فُتح في الصباح، فكان أول الخارجين هرباً من زوجته الفاسية. فقال في قصيدة مطلعها:

الله أكبر من منار الجامع
من سبتة تأدين عبداً خاشعاً

إلى أن قال:

إن النساء خدعنني ومكرن بي * وملأن من ذكر النساء مسامعي

حتى وقعتُ وما وقعتُ لجانبي * لكن على رأسي لأمر واقعـــــي

فداخل هذا الباب لا يزال يحتفظ بشكله الدفاعي كحصن صغير. وقد فُتح إلى جانبه باب صغير للعبور، بدلاً من الباب الذي كان يُستخدم مركزًا للشرطة خلال فترة الاستعمار الفرنسي، لتحصيل الضرائب على المنتوجات الفلاحية والحيوانية التي كان يبيعها الفلاحون داخل المدينة. واستمر استخدام هذا الباب مركزًا للشرطة حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

كما هو الحال مع الأبواب الرئيسية في فاس، وضمن العمارة المغربية الاستراتيجية للمدن، نجد عند كل باب سقاية ومسجدًا ومدرسة للطلبة. وهنا أيضًا، بالقرب من باب الكيسة، نجد مباشرة سقاية من أجمل سقايات المغرب، والجامع الذي يحمل اسم “مسجد باب الكيسة” الذي أنشأه أبو الحسن المريني، بالإضافة إلى مدرسة أنشأها أبو محمد عبد الحق ابن أبي سعيد الوطاسي في سنة (1437 م)، كما ذكر ذلك الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه “القرويين”. غير أن هذه المدرسة ذات الطراز البسيط تنسب إلى السلطان العلوي محمد الثالث ابن عبد الله. ولكن ذكرها ورد قبل قرنين من زمن السلطان محمد بن عبد الله، وقد ذكر بعض المؤرخين أن محمد بن عبد الله قام بإصلاحها وتجديدها ضمن إصلاحات قام بها في العديد من جهات المملكة.

كانت ساحة باب الكيسة الخارجية إحدى ساحات أبواب فاس التي احتضنت، إلى ما بعد مرحلة الاستقلال بقليل، الفرجة الشعبية وحلقات الحكواتيين. ومن أشهر هؤلاء القصاصين با إدريس الفداوي، حيث يقول عنه روجي لطورنو نقلاً عن أحمد الصفريوي: “كان يعقد حلقته كل يوم، بين العصر والمغرب، عند مخرج باب عجيسة على تلال المقبرة الصاعدة نحو قبور بني مرين. وفي ظل الأسوار الصهباء، كان يروي يوما بعد يوم قصة طويلة يعرف كيف يجعلها حية، وأحيانًا مؤثرة.” ويضيف قائلاً: “وكانت ذخيرته تشمل ثلاث قصص كبرى: قصة عنترة التي تدوم عامًا كاملاً، وقصة الإسماعيلية التي تدوم ستة أشهر، وقصة سيف ذي يزن، وهي حكاية عجيبة على شاكلة “ألف ليلة وليلة”، وتدوم أربعة أشهر.” كما جاء في روايته “لعبة النسيان” لمحمد برادة أنه كان يخرج مع خاله إلى هذا الباب لسماع حكاية “ألف ليلة وليلة”.

يُعقد في باب الكيسة، صباح كل جمعة، سوق الحمام والطيور بعد أن كان يُعقد في فندق مفتوح السقف قبالة جامع باب الكيسة.

في محيط الباب والسقاية والجامع تم تصوير بعض مشاهد الأفلام المغربية والأجنبية، وذلك لما يمنحه هذا الفضاء من أجواء كواليس تاريخية. كما أن له إطلالة رائعة على سهول جبل زلاغ الشرقية والغربية والشمالية، حيث هضبة مدافن المرينيين، وغير بعيد منها بوابة قصر الوزير الجامعي، الذي تحول في بداية القرن الماضي إلى فندق سياحي من الدرجة الراقية.

على بعد مسافة ليست بالقليلة في اتجاه شمال المدينة عبر طريق فتحت بين المقابر لتصل منطقة باب فتوح بمنطقة بباب بوجلود يلاقينا أولا.

باب الشرفاء

لقد بقيت هذه البوابة بالنسبة لساكنة عدوة القرويين منفذها الرئيسي إلى المناطق الشمالية الشرقية من المدينة، إلى أن بني باب بوجلود سنة بعد 1913. فقد إرتبط إسم هذا الباب من حيث قربه الجغرافي و العمراني بإسم القصبة المحادية له والمتعددة الأسماء، قصبة الشرفاء، قصبة النوار، قصبة فيلالة. هذه القصبة التي لا يعرف عن تاريخ نشئتها إلى حد الأن شيئ كثير. فقد أُختلف في تاريخ بنائها كتكنة عسكرية ضمن المجموعة الدفاعية لقصبات ساحة بوجلود. لكن يستنتج من شكل هندستها المعماري و زخارف بوابتها الجميلة التي تشبه إلى حدما شكل البوابة المرينية في السور المحيط بشالة في الرباط، أن بنائها يعود إلى فترة عصر المرينيين.

فعلى الرغم من هيبة وعظمة بوابة القصبة، التي يسندها برجان عاتيان وأسوار شاهقة و يمنحانها منظرا بهيا ، فإنها لا تحضى بإهتمام الباحثين ولا زوار المدينة، نظرا لغموض تاريخها و لوجودها في محيط شعبي غير جذاب. فعن يمينها سوق عشوائي فقير للخضر و الفواكه من بينها بعض دكاكين المواد الغدائية وقديما كان هذا السوق يشتمل على مطاحن الحبوب عصرية، وعن يسارها ممر به مقاهي وضيعة ومجمع لبيع و إصلاح ألألات المنزلية المعطلة ، وأمامها ساحة يقام عليها كل مساء سوق للخوردة والبضاعة البالية و الرخيصة. ويجاورها أيضا سوق كبير نسبيا للملابس المستعملة “جوطية بوجلود”. يسكن هذه القصبة خليط من بقايا عائلات الجنود الفقيرة التي كانت قديما في خدمة السلاطين أو المهاجرين إلى فاس من المناطقة الجنوبية الشرقية للمغرب. فالطريق القصير الذي عن يسارها يقود إلى باب الشرفاء، الذي هو الأخر لم تسعفنا المراجع في معرفة تاريخ بنائه فقد يكون من أعمال الدولة الموحدية أو العلوية، لأنه لا يختلف في شكله عن باب المحروق المجاور له من الناحية الهندسية، كمتنفس إضافي لمنطقة شمال المدينة. وحيث أن هذا الباب لم يعد يستعمل كمنفذ إلى خارج فاس، فقد تم ترميمه من طرف وزارة الثقافة، غير أن محاولة توظيفه ، فضاء ثقافيا للمعارض على غرار باب الرواح في الرباط ، قد باءت بالفشكل لأسباب لا تعرفها إلا وزارة الثقافة نفسها. إلى جوار هذا الباب من الجهة اليمنى في إتجاه غرب المدينة هناك باب من أهم أبواب المدينة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق