شهدت أسواق النفط في اليومين الماضيين تحركًا جديدًا، بعد إعلان تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية لمدّة شهر إضافي، حتى نهاية العام الجاري (2024).
وللمرة الثانية، اتفقت الدول الـ8 المشاركة في الخفض الطوعي، بقيادة السعودية وروسيا، على تأجيل التخلص التدريجي من تخفيضات إنتاج النفط البالغة نحو 2.2 مليون برميل يوميًا، لتبدأ إعادة البراميل في يناير/كانون الثاني 2025.
وجاء هذا القرار تأكيدًا لمرونة تحالف أوبك+ في تعديل قرارته وفقًا لظروف السوق، وانعكاسًا لنهجه الاحترازي والوقائي والاستباقي.
واستطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، آراء نخبة من الخبراء حول قرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية، ومدى تأثيره في أسعار النفط خلال المدّة المقبلة.
قرار صائب ومتوقع
أكد المستشار، الخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، المدير العام للتسويق بوزارة الطاقة والمعادن العمانية -سابقًا- علي بن عبدالله الريامي، أن قرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية صائب وفي محله، على الرغم من أن تأثيره قد يكون ليس بكبير؛ لأنه لمدّة شهر فقط.
وقال الريامي، في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة: "السوق كانت بحاجة إلى شيء لإنعاشها مرة أخرى، وهذا القرار يمكن أن يعطي حافزًا لدى السوق بأن تحالف أوبك+ ما زال باستطاعته أن يؤخّر إرجاع هذه البراميل".
وتابع: "هذا مؤشر جيد للسوق.. وقد استوعبت السوق هذه الإشارة مباشرةً، وشهدنا ارتفاعات محدودة، ولكنها تُعد رد فعل إيجابيًا على هذا القرار".
بينما أوضح رئيس قسم تحليل النفط في شركة "غازبودي" -مقرّها الولايات المتحدة- باتريك دي هان، أن قرار تمديد تخفيضات أوبك+ الطوعية أمر متوقع تمامًا، وقد يستمر حتى الربيع المقبل حيث تظل أسعار النفط قاتمة.
وقال دي هان، في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: "مع الضعف الاقتصادي في الصين لا أتوقع أن يتعامل أوبك+ بجدية حقًا مع استعادة البراميل حتى مارس/آذار أو أبريل/نيسان 2025".
الحفاظ على توازن سوق النفط
صرّحت رئيسة شركة "إس في بي إنرجي إنترناشيونال"، الدكتورة سارة فاخشوري، بأن التمديد الأخير لتخفيضات الإنتاج الطوعية من قبل أوبك+ يهدف إلى الحفاظ على التوازن في السوق.
وأكدت فاخشوري وجود حالة عدم يقين سائدة تتأثر بصورة ملحوظة بمشاعر السوق المتغيرة، وتباطؤ نمو الطلب المتوقع، وزيادات العرض التدريجية من الدول غير الأعضاء في أوبك+، بحسب تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة.
وشاركها الرأي كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، الذي أكد أن قرار أوبك+ يهدف إلى استقرار أسعار النفط، على الرغم من أن التأثيرات طويلة الأجل ما تزال غير مؤكدة.
وفي تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة، يتوقع شوكري أن يمنع تمديد خفض الإنتاج المزيد من هبوط الأسعار، وسط مخاوف بشأن ضعف الطلب العالمي وزيادة العرض من خارج أوبك.
واستجابة لهذا الإعلان، شهدت أسعار النفط مكاسب متواضعة، إذ ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.9% إلى 69.61 دولارًا للبرميل، وارتفع خام برنت بنسبة 0.8% إلى 72.64 دولارًا للبرميل.
ومع ذلك، قد تتضاءل فاعلية هذه التخفيضات بسبب التحديات العالمية المستمرة؛ لأن النمو البطيء للطلب، خاصة من الصين، ومستويات الإنتاج القياسية المرتفعة في الولايات المتحدة؛ قد تحد من مكاسب الأسعار، بحسب ما أكده شوكري في تصريحاته.
وقال شوكري: "بالنظر إلى المستقبل، يواجه تحالف أوبك+ مهمة موازنة إستراتيجية بين دعم الأسعار والحفاظ على حصة السوق في مواجهة المنافسة المتزايدة من المنتجين من خارج أوبك مثل الولايات المتحدة والبرازيل وغايانا".
ترقب اجتماع أوبك+ المقبل
يرى رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، أن قرار الدول الـ8 في أوبك+ بتأجيل التخلص من التخفيضات أمر منطقي للغاية، نظرًا إلى أن أساسيات النفط أصبحت أضعف مما توقعوا.
وقال مكنالي، في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: "إن التأخير لمدّة شهر سيسمح للوزراء باللقاء في اجتماع وزاري يوم 1 ديسمبر/كانون الأول، والنظر في الاتجاهات والتطورات الأساسية والاقتصادية والجيوسياسية".
كما يرى رئيس تحرير منصة "بتروليوم إيكونوميست" بول هيكن، أن قرار تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية مصمم حقًا لمنح أوبك+ بعض المساحة للتنفس، عندما يجتمع التحالف في 1 ديسمبر/كانون الأول لتقرير سياسة 2025.
وفي تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، أشار هيكن إلى أن أوبك+ سيرغب في إبقاء ما يكفي من النفط خارج السوق لدعم سعر 70 دولارًا للبرميل، ومنع المزيد من ضعف سوق النفط، حتى تتضح الرؤية الاقتصادية للصين على وجه الخصوص.
ومن جانبه، يعتقد الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، أن هذا التأجيل والتردد في تنفيذ خطة إعادة 180 ألف برميل إلى السوق هو أحد الأسباب وراء تراجع الأسعار، إذ إن هذا القرار يبعث بالإحساس السلبي لدى السوق.
وذكّر بوطمين بأنه عندما طرح تحالف أوبك+ خطة التخفيض شهر يونيو/حزيران الماضي، لم تنخفض أسعار النفط وبقيت فوق الـ80 دولارًا، ولكنها انخفضت إلى دون الـ70 دولارًا عندما تردد التحالف في شهر سبتمبر/أيلول وأجّل إعادة البراميل، ما أكد للمستثمرين أن السوق متوترة وغير مستقرة.
وقال: "أعتقد أن إعادة ضخ 180 ألف برميل في السوق -وهي ليست كمية ضخمة- لن تؤثر في السوق التي هي متشبعة بنفوط على الطاولة، ولكن المغزى هو إعطاء نظرة إيجابية للسوق، حيث دائمًا ما يعطي التحالف أرقامًا متصاعدة لزيادة الطلب على النفط".
ومن جهة أخرى، هذا التأجيل سيسمح لبعض الدول بالاستحواذ على هذه الحصة السوقية في حالة تزايد وجود فراغ، وهو ما يضعف من قوة المجموعة ويقلّل من تأثيرها في السوق العالمية، بحسب ما أكده بوطمين في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
التداعيات على أسعار النفط
أشار محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر إیتیّم، إلى أن تحالف أوبك+ يجد نفسه في موقف صعب في الوقت الحالي.
فقد أزال كمية كبيرة من النفط من السوق، ويجد صعوبة متزايدة في إعادة البراميل، إذ يجري تزويد السوق بصورة جيدة للغاية، والأسعار على الجانب الأضعف مما كانت تأمله المجموعة.
وقال إيتيّم، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة: "لذا، بالنظر إلى الأساسيات في الوقت الحالي، والتوقعات من العديد من المحللين التي تشير إلى فائض في العرض في أوائل عام 2025، فإن قرار التأجيل لمدة شهر واحد على الأقل يدعم بلا شك السوق وأسعار النفط".
وتابع: "أعتقد أن الكثيرين كانوا يأملون في رؤية تمديد أطول، ولكن هذا قد يحدث في النهاية إذا قرروا في ديسمبر/كانون الأول مرة أخرى التأجيل".
كما يرى المستشار، الخبير بمجال الطاقة في سلطنة عمان، علي بن عبدالله الريامي، أنه كان من الممكن أن يكون مردود قرار تخفيضات أوبك+ الطوعية أكثر إيجابية في أسعار النفط، لو كان استمر لمدّة أطول.
وقال: "على الرغم من قصر المدّة، رأينا بعض التحسّن في أسعار النفط.. لا أعتقد أن التمديد سيكون له تأثير كبير في أسعار النفط.. السوق استوعبت بالفعل قرار الخفض والأسعار المعلنة وضعته في الحسبان.. مفعول التمديد أصبح محدودًا لدى السوق، التي تُعد بحاجة إلى أخبار أقوى من تمديد الاتفاقية".
وشدد على أن أسعار النفط لن ترتفع كثيرًا، خصوصًا أن هناك فائضًا من النفط في الوقت الحاضر، إذ تنتج دول خارج أوبك+ كميات أكبر مثل البرازيل وغايانا والولايات المتحدة.
من جانبه، صرّح الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة شعيب بوطمين، بأنه من الصعب التكهن بأسعار النفط، ولكن مشكلة أساسيات السوق المتمثلة في العرض والطلب هي أعمق من بعض البراميل، لأن المشكلة الكبرى حاليًا هي ضعف الطلب غير المتوقع في آسيا خاصةً الصين.
وأضاف بوطمين: "شيء آخر، وهو أن الكثير يتكلم عن عدم تأثير التغيرات الجيوسياسية في أسعار النفط، ولكن المعضلة الكبرى هي ركود الاقتصاد العالمي؛ إذ تبلور في ضعف الطلب، ما ألقى بظلاله على المشكلات الجيوسياسية".
وتابع: "حتى نهاية العام، لا أرى ارتفاعًا لأسعار النفط أكثر من 80 دولارًا، ولكن قد تتعدى ذلك المستوى عندما تعيد المنظمة بعض البراميل إلى السوق، حينها تعطي إشارات إيجابية وتسهم في استقرار الأسعار".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
أخبار متعلقة :