التقويم الاخباري

أبو حامد الغزالي في حنطور!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كان عمرى أربعة عشر عامًا عندما دخلت مكتبة مجلس المدينة التى تبعد عن منزلنا بضع خطوات لأشترك فى عضويتها وأستطيع أن أستعير كتابا لأقرأه بمنزلى.

  عند أول محاولة لى فى الاستعارة مددت يدى لأختار رواية فكانت رواية "الخيط الرفيع" للأستاذ إحسان عبد القدوس.. وفوجئت بالسيدة أمينة المكتبة ترفض اعارتها لى.. وعندما سألتها عن سبب رفضها فاذا بها تسألنى كم تبلغ من العمر؟.. سألتها لماذا؟ قالت لأنك ما زلت صغيرًا ويجب أَلَّا تقرأ مثل هذه الروايات..وبرجولة مبكرة جدًا رددت: أنا لست صغيرًا..  وفى هذه الأثناء، طلبها رئيسها فأنهت الحديث معي بسرعة ونسيت رفضها، وعلى عجل سلمتنى الرواية.

وفى منزلى جذبتنى الرواية  من أول صفحة الى عالم آخر ودنيا غير التى أعرفها..  كم مرة قرأتها من شدة جمالها؟ لا أتذكر ولا أعرف كم قضيت من الوقت معها.

بعد قراءة هذه الرواية ذهبت الي المكتبة مهرولا لأبحث عن  كل روايات المبدع إحسان عبد القدوس التى علمتنى أن أعيش مع رغبات ونزوات ومشاعر بشر فى كل الأزمنة وفى أماكن قريبة وبعيدة.

لكن كان هناك كاتب عملاق تعرفت عليه من خلال كتابه المقرر علينا فى الدراسة الثانوية وهو "عبقرية عمر" ولم تكن قراءته لمجرد المتعة فقط ولكن من أجل أن  أفهمه وأحلل مواقفه وأحداثه لأحصل على أعلى درجة فى الإمتحان، ومنه تعرفت على المفكر عباس محمود العقاد الشاعر، والفيلسوف،، والذى مثَّلَ حَالةً متميزة في الأدَبِ العربيِّ الحَدِيث، ووصل إِلى مرْتبة عالية فيه.

بعدها بحثت عن كتبه ووجدت إنتاجا غزيرا لكنى توقفت عند محاضرة له طبعت فى كتاب بعنوان "فلسفة الغزالى" وقرأته أكثر من مرة فهو كتاب من أشهر كتبه، وقد حقق  مبيعات ضخمة، حيث تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في مصر وفي العالم العربي منذ وقت صدوره وحتى وقتنا هذا.

 هذا الكتاب كان - كما قيل - أحد أكبر أسباب شهرة المفكر عباس محمود العقاد. حيث لاقى هذا الكتاب شهرةً كبيرة. فقد اشتهر في الأوساط الثقافية فأغلب أعمال العقاد تتميز بجودتها بالنسبة للمثقف المطلع وببساطتها للرجل العامي.

حاول المفكر الكبير العقاد أن يدرس شخصية واحد من أشهر علماء المسلمين وواحد من أهم مفكريهم وهو الإمام أبو حامد الغزالى.. وقد كان أبو حامد الغزالي من أكثر الناس مواجهةً لأفكار فلاسفة عصره وأفكارهم الضالة والمنحرفة.

ولا أنسى حديث المفكر الكبير العقاد عن الإمام الغزالي بقوله: والواقع أن حجة الإسلام رضي الله عنه لم تكمل له أداة قط كما كملت له أداة الفلسفة، فهو عالمٌ، وهو فقيهٌ، وهو متكلمٌ، وهو صوفيٌّ ولا مراء، ولكن هذه المطالب لا تستغرق كل ملكاته ووسائله إلى المعرفة، وقد يبلغ فيها غايتها ببعض تلك الملكات والوسائل، وتبقى له بعدها ملكة لا ضرورة لها في غير الفلسفة وحدها، وأوجز ما يقال عنها بكلمة واحدة: أنها هي ملكة التجريد.

 هذه القدرة على تجريد الذهن من قيود المألوف قد بلغت أتمها وأقواها في الإمام الغزالي رضوان الله عليه، ولا يُعرف من مفكري المشرق ولا المغرب من هو أتم منه أداة ولا من هو أقدر منه على محو مألوفاته في هذا الضرب من التفكير.

من هذه المحاضرة للمفكر الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد عرفت الإمام الغزالي وسمعت من يقول فى حديث إذاعى من لم يقرأ كتاب الإحياء  للإمام الغزالي فهو ليس من الأحياء!... إلى هذه الدرجة؟.. نعم !

الأغرب أن سيدة فاضلة جارة لنا جاءت لزيارتنا، وقد دار الحديث معها حول جهدها فى تربية بناتها الثلاثة بعد رحيل زوجها وكان معروفا بخلقه الحسن وفكره الثاقب، إذ إنه كان من رجال التربية والتعليم ومحبا للقراءة والإطلاع، وما أن عدت من عملى إلى منزلنا حتى فوجئت بأخى الأصغر يضحك من منظر الكتب التى أحملها وهو يعلق ضاحكا: ما زلت تنفق راتبك على الكتب!.

رحبت بالجارة التى لفت انتباهها كلام أخى والكتب التى أحملها وسألتني هل تعرف أحدا يشترى مكتبة بها مجلدات قيمة؟

كأنها عرفت حبى للكتب، وأنها يمكن أن تبيع مكتبة زوجها التى تشغل حيزا كبيرا فى  شقتها لمعرفتى بأصحاب المكتبات وباعة الكتب.. وسألتها كم تريدين فيها؟ فأجابت: خمسون جنيها (كان جرام الذهب  عيار ٢٤ آنذاك لا يتعدى أربعة جنيهات الآن اقترب من الأربعة آلاف جنيه).

قلت لها هل يمكن أن أشاهد هذه المكتبة 

قالت: تفضل

وبالفعل ذهبت ناحية مكتبة زوجها الراحل فوجدت مجموعة هائلة من الكتب والمطبوعات التى كانت تصدر من مكتبة دار الشعب بشارع قصر العينى،‏ وهى متنوعة من الكتب المتميزة، في مختلف المجالات الأدبية والثقافية، وأمهات الكتب التراثية فى التاريخ والفكر العربي.

عشرون جنيها قدمتها لها كعربون، فقد قررت أن اشتريها لنفسى، وقلت لها أيام قليلة وسوف أحضر الثلاثين جنيها لكننى استأذنت فى إن أعود إلى منزلى ومعى مؤلفات الإمام الغزالي كلها فوافقت، وعلى الفور، وكانت كل مؤلفاته فى حنطور عائدا بها إلى منزلى 

الأسبوع القادم بإذن الله أكمل تفاصيل ما حدث 

أخبار متعلقة :