تتجه أنظار العالم نحو الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع اقتراب موعدها. ورغم أن ملايين الأمريكيين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل، إلا أن الكلمة الأخيرة تقع على عاتق المجمع الانتخابي، وهو النظام الذي قد يرفع رئيسًا رغم خسارته التصويت الشعبي، كما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. يعكس المجمع الانتخابي نظاماً معقداً قديمًا يحمل طابع التوازن بين إرادة الشعب واستقلال الولايات.
ما هو المجمع الانتخابي؟ وكيف يعمل؟
المجمع الانتخابي هو نظام انتخابي غير مباشر يتألف من 538 مندوبًا يمثلون الولايات الأمريكية. يتم تخصيص عدد معين من الأصوات لكل ولاية بناءً على عدد سكانها، ويعتبر الفوز في المجمع الانتخابي رهيناً بالحصول على 270 صوتًا على الأقل. يعتمد هذا النظام على تمثيل الولايات بتوازن نسبي عبر توزيع مقاعد المجمع بناءً على التعداد السكاني، مما يتيح للولايات الصغيرة الحصول على تمثيل معقول رغم قلة عدد سكانها مقارنة بالولايات الأكبر.
وعند التصويت في يوم الانتخابات، يدلي المواطنون بأصواتهم للمرشحين، ولكن عمليًا لا يُختار الرئيس مباشرةً من قبل الناخبين، بل يُعتمد على المندوبين الذين يمثلون كل ولاية، ويصوتون وفقاً لما يسمى بنظام الفائز يأخذ الكل. هذا يعني أن المرشح الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات الشعبية في الولاية، يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي الخاصة بها، باستثناء ولايتي مين ونبراسكا اللتين تتبعان نظام تقسيم الأصوات بناءً على المناطق الانتخابية.
كيف يتم اختيار مندوبي المجمع الانتخابي؟
يتم اختيار المندوبين من قبل الأحزاب السياسية في كل ولاية، وعادةً ما يكون هؤلاء المندوبون من الأعضاء الفاعلين في الحزب أو الشخصيات ذات التأثير والنفوذ التي خدمت الحزب لسنوات. وعند التصويت الشعبي في الولاية، يمنح الناخبون أصواتهم ليس فقط للمرشح، بل أيضاً لمندوبي حزبه في الولاية. وهكذا، يمكن للمرشح الفائز في التصويت الشعبي أن يسيطر على أصوات الولاية في المجمع الانتخابي، حتى وإن كانت بفارق ضئيل.
يتيح نظام المجمع الانتخابي فرصة لفوز المرشح الحاصل على عدد أصوات أقل في التصويت الشعبي الوطني، إذا تمكن من السيطرة على الولايات ذات الوزن الانتخابي العالي. حدث ذلك في انتخابات عام 2016، عندما تفوق ترامب في المجمع الانتخابي رغم خسارته التصويت الشعبي لصالح كلينتون بفارق نحو ثلاثة ملايين صوت.
وحدث الأمر ذاته في أربع مرات أخرى عبر التاريخ الأمريكي، أبرزها عام 2000 عندما فاز جورج بوش الابن على آل غور بعد حصوله على 271 صوتًا من المجمع الانتخابي، رغم تفوق آل غور عليه بأكثر من نصف مليون صوت في التصويت الشعبي. يعتبر مؤيدو المجمع الانتخابي أن هذا النظام يمنع هيمنة الولايات الكبرى على نتائج الانتخابات، ويضمن نوعًا من التوازن بين الولايات الصغيرة والكبيرة.
كيف يتم إعلان الفائز في الانتخابات عبر المجمع الانتخابي؟
بعد التصويت الشعبي في نوفمبر، يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي في ديسمبر للإدلاء بأصواتهم، ويتم توثيق هذه الأصوات في "شهادة تصويت" تُرسل إلى الكونغرس وإدارة الأرشيف الوطني. في يناير، يجتمع الكونغرس برئاسة نائب الرئيس للقيام بعملية فرز الأصوات وإعلان النتائج الرسمية. يحصل الفائز بالرئاسة على الأغلبية المطلقة (270 صوتًا) من أصوات المجمع الانتخابي، وتعتبر هذه اللحظة تتويجًا رسميًا للفائز، بغض النظر عن النتيجة الشعبية.
الهدف من إنشاء المجمع الانتخابي: توازن سياسي أم ضرورة تاريخية؟
أسس الآباء المؤسسون للولايات المتحدة المجمع الانتخابي كوسيلة تجمع بين الانتخاب الشعبي والانتخاب غير المباشر عبر المندوبين، وكان الهدف منه منع الهيمنة الكاملة لولايات معينة على الانتخابات بسبب كثافة سكانها، وضمان مشاركة أصوات الولايات الأصغر وزنًا في تحديد الرئيس. ورغم تزايد الأصوات التي تدعو إلى تغييره، لا يزال النظام قائماً كتقليد سياسي يميز النظام الأمريكي.
يعتقد المؤيدون أن المجمع الانتخابي يمثل روح التوازن بين الحكومة الفيدرالية والولايات، ويمنح الفرصة للتواصل مع جميع أطياف المجتمع الأمريكي عبر الولايات، بحيث لا يتجاهل المرشحون المناطق الأقل كثافة سكانية في حملاتهم الانتخابية. في المقابل، يرى المعارضون أنه قد يؤثر سلبًا على الإرادة الشعبية، ويطالبون بتبني التصويت الشعبي المباشر بدلاً من المجمع الانتخابي لضمان عدالة تمثيل أصوات الأمريكيين.
المجمع الانتخابي: جدل لا ينتهي وتأثير دائم على النظام الانتخابي الأمريكي
بينما تستمر الدعوات إلى إصلاح النظام الانتخابي أو إلغائه، لا يزال المجمع الانتخابي عنصراً جوهرياً في الانتخابات الأمريكية، ومن المتوقع أن يبقى محط اهتمام وجدل. فالمجمع الانتخابي لم يعد مجرد نظام انتخابي، بل أضحى جزءًا من الهوية السياسية للولايات المتحدة، وأداة مؤثرة في رسم معالم السياسة الأمريكية. ومع احتدام المنافسة الانتخابية، يبقى هذا النظام مصدرًا لإثارة التساؤلات حول مدى تعبيره عن إرادة الشعب، خصوصاً مع تكرار حوادث فوز المرشح الأقل أصواتاً في التصويت الشعبي، وتوليه أعلى منصب في البلاد.
0 تعليق