عندما يسعى الإنسان للكمال.. كل ما يجب أن تعرفه عن “القلق عالي الأداء”
اضطرابات القلق هي من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً عالمياً، حيث تثير شعوراً بالخوف والرعب في مواجهة مواقف معينة، وقد تظهر في أشكال أعراض جسدية مثل تسارع دقات القلب أو العرق الزائد. في هذا السياق، يبرز “القلق عالى الأداء” كنوع مميز من هذه الاضطرابات، حيث يتميز بقدرة الشخص على أداء مهامه اليومية بكفاءة عالية، رغم التوتر الداخلي الشديد الذي يعانيه، مما يجعله غالباً ما يتجاهل الحاجة إلى العلاج.
القلق عالى الأداء: فهم الاضطراب
يعرف القلق عالى الأداء بأنه حالة نفسية تتسم بأن الأفراد المصابين بها يبدوون ناجحين ومنتجين في حياتهم المهنية والشخصية، لكنهم يعانون داخلياً من مشاعر سلبية مثل التوتر المستمر والشك الذاتي. وفقاً للخبراء، لا تظهر أعراض هذا الاضطراب بشكل واضح، مما يجعل اكتشافه صعباً، حيث يستمر الشخص في أداء مسؤولياته العائلية والعملية بشكل طبيعي، بينما يواجه صعوبة في التعامل مع الضغوط النفسية الداخلية، مما قد يؤدي إلى تأخير البحث عن مساعدة.
القلق عالى الأداء يؤثر على الحياة اليومية بشكل خفي، إذ يجعل الفرد يشعر بالإرهاق العاطفي رغم إنجازه الظاهري، وهو ما يتطلب التعرف على علاماته للوقاية من تفاقم المشكلة.
علامات الإصابة بالقلق شديد الأداء
من بين العلامات الرئيسية للإصابة بالقلق عالى الأداء، يبرز التفكير الزائد، حيث يقضي الشخص وقتاً طويلاً في تحليل الأمور من زوايا متعددة، مما يعيق اتخاذ القرارات ويبدو كدقة زائدة، لكنه في الواقع مصدر للإجهاد. كما يتجلى السعى إلى الكمال كعلامة أخرى، حيث يصبح الخوف من الفشل هوساً يؤدي إلى تأخير المشاريع وإهدار الموارد، بالإضافة إلى فرض مطالب غير واقعية على نفسه والآخرين في الحياة الشخصية.
أما متلازمة المحتال، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا الاضطراب، إذ يشعر الشخص بأنه غير مستحق للنجاحات التي يحققها، رغم كفاءته، مما يعزز الشك الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، تظهر صعوبة التفويض كعلامة بارزة، حيث يرفض الشخص تكليف الآخرين بمهام خوفاً من أن يبدو غير ملتزم أو أن يفشل الآخرون، مما يولد شعوراً بالذنب حتى أثناء الراحة. الخوف الشديد من الفشل هو أيضاً سمة أساسية، حيث يرى الفرد الإخفاق كتعريف لشخصيته، لا كتجربة عابرة.
علاوة على الأعراض النفسية، تظهر أعراض جسدية مثل الصداع المتكرر، آلام المعدة، صعوبة النوم، الشد العضلي، الإرهاق العام، الدوار، تسارع دقات القلب، ألم في الصدر، الشعور بالاختناق، وخز في اليدين والقدمين، وتغيرات في الشهية. هذه العلامات السبع تشكل إنذاراً للالتفات إلى الحالة قبل تفاقمها.
أما الأسباب، فتشمل العوامل الوراثية، حيث يزداد خطر الإصابة لدى أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي من اضطرابات القلق. سمات الشخصية مثل الخجل أو العصبية في المواقف الجديدة تعزز الخطر، بالإضافة إلى التعرض لمستويات عالية من التوتر، مثل مشكلات العمل، التنمر، فقدان عزيز، أو صعوبات مالية، التي تكون عوامل محفزة رئيسية.
للتغلب على هذا الاضطراب، يُنصح بأن يهتم الشخص بنفسه من خلال ضمان ساعات نوم كافية، ممارسة الرياضة، والاسترخاء، رغم صعوبة ذلك لمن يرونه علامة على الفشل. كما يجب البحث عن دعم المحيطين، من خلال الاعتماد عليهم في بعض المهام وتعلم قول “لا” للالتزامات غير الضرورية، لتجنب الضغط النفسي والجسدي. تقبل النقد يساعد أيضاً في تطوير الذات، إذ يُدرك الشخص أن التطور يأتي تدريجياً دون الحاجة للكمال المطلق.
أخيراً، ممارسة اليقظة الذهنية، مثل تمارين تأمل مسح الجسم، تعزز الاسترخاء من خلال ملاحظة الأفكار والأحاسيس دون حكم عليها، مما يقلل من أعراض التوتر. هذه الخطوات، جنباً إلى جنب مع العلاج المهني، تساعد في إدارة القلق عالى الأداء وتحسين جودة الحياة بشكل عام.