اكتشاف أول مقبرة عصر الحديدي في العين
مقدمة
في خطوة تاريخية هامة، أعلن علماء الآثار عن اكتشاف أول مقبرة تعود إلى العصر الحديدي في منطقة العين، الواقعة في الإمارات العربية المتحدة. هذا الكشف، الذي يُعتبر من أبرز الإنجازات الأثرية في المنطقة، يفتح أبواباً جديدة أمام فهم تاريخ الإمارات القديم ويضيف إلى تراثها الغني الذي يعود إلى آلاف السنين. العصر الحديدي، الذي امتد من حوالي 1200 قبل الميلاد إلى 600 قبل الميلاد، يمثل فترة تحول اجتماعي واقتصادي كبير، حيث أدى استخدام الحديد إلى تطورات في الأدوات والأسلحة، مما غير نمط الحياة للمجتمعات القديمة. في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذا الكشف وأهميته.
خلفية تاريخية عن العصر الحديدي ومنطقة العين
منطقة العين، المعروفة باسم “مدينة الينابيع”، هي واحدة من أقدم المناطق المأهولة في شبه الجزيرة العربية. تُعد مواقعها الأثرية، مثل تل البركة وتل العبري، شهادة حية على حضارات متعددة عبر العصور. العصر الحديدي، الذي يليه عصر البرونز، شهد انتشار المجتمعات الزراعية والتجارية في المنطقة، حيث كانت العين مركزاً تجارياً هاماً على طرق التجارة بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
في هذا السياق، يُعتبر اكتشاف المقبرة الأولى من هذا العصر في العين خطوة كبيرة نحو ملء الفجوات في تاريخ الإمارات. سابقاً، كانت الكشوفات الأثرية في المنطقة تركز على عصور أخرى مثل العصر الحجري أو العصر البرونزي، لكن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على فترة أقل دراسة في الإمارات، حيث كانت المجتمعات تتطور نحو هياكل اجتماعية أكثر تعقيداً.
تفاصيل الكشف
تم الكشف عن هذه المقبرة خلال حملة حفريات أثرية روتينية أجرتها وزارة الثقافة والسياحة في الإمارات، بالتعاون مع فرق دولية من خبراء الآثار. وفقاً للتقارير الرسمية، بدأت العمليات في عام 2023، عندما كشفت أعمال البناء في أحد المواقع بالقرب من تل البركة عن آثار قديمة. سرعان ما تدخل الفريق الأثري، الذي يضم علماء من الإمارات وبريطانيا وفرنسا، لإجراء حفريات منهجية.
أدت الحفريات إلى اكتشاف مقبرة جماعية تحتوي على بقايا عظام بشرية تعود إلى حوالي 1000 قبل الميلاد. تم العثور على أكثر من 20 جثة مدفونة بطريقة منظمة، محاطة بأواني فخارية مزخرفة، أدوات حديدية مثل سيوف وأدوات زراعية، ومجوهرات من اللؤلؤ والحجر. كما وجدت بعض الرسومات على جدران المقبرة، والتي قد تمثل رموزاً دينية أو اجتماعية، مما يشير إلى أن المجتمع كان لديه طقوس دفن معقدة.
الفريق الأثري استخدم تقنيات حديثة مثل الفحص بالكربون المشع والمسح الراداري لتحديد عمر الآثار بدقة. وفقاً للدكتور أحمد الزعابي، رئيس الفريق، “هذا الكشف يعد مفاجأة كبيرة، حيث كنا نعلم بوجود مستوطنات في العصر الحديدي، لكن هذه هي المرة الأولى التي نجد مقبرة كاملة في المنطقة”.
الاكتشافات والقطع الأثرية
من بين أبرز الاكتشافات:
- البقايا البشرية: تشمل عظاماً لأفراد من مختلف الأعمار، مما يشير إلى أن المقبرة كانت تستخدم لدفن العائلات أو المجتمع بأكمله.
- الأدوات الحديدية: عثر على أدوات زراعية مثل المحاريث والسكاكين، بالإضافة إلى أسلحة دفاعية، مما يدل على تطور الزراعة والحرب في المنطقة.
- الفخار والمجوهرات: الأواني الفخارية المزخرفة بالأشكال الهندسية تشير إلى وجود تجارة مع حضارات مجاورة مثل بلاد ما بين النهرين أو الهند. كما وجدت قلادات من اللؤلؤ، الذي كان مصدراً اقتصادياً هاماً في الإمارات القديمة.
- الرموز الثقافية: بعض الرسومات على الحجارة قد تكون تمثل آلهة أو طقوس دينية، مما يساعد في فهم الجانب الروحي للمجتمع.
هذه القطع الأثرية تم نقلها إلى مختبرات متخصصة للدراسة والحفظ، وسيتم عرضها لاحقاً في المتحف الوطني في أبوظبي.
أهمية الكشف وتأثيره
يحمل هذا الكشف أهمية كبيرة على مستويات متعددة. أولاً، يساهم في إعادة كتابة تاريخ الإمارات، حيث يوفر دليلاً على أن منطقة العين كانت مركزاً حضارياً مزدهراً خلال العصر الحديدي. ثانياً، يساعد في دراسة نمط الحياة اليومية، مثل الزراعة، التجارة، والطقوس الدينية، مما يعزز فهمنا لكيفية تطور المجتمعات في المنطقة.
علاوة على ذلك، يدعم هذا الكشف جهود الحفاظ على التراث الثقافي في الإمارات، حيث أصبحت الدولة تشجع على السياحة الأثرية كجزء من رؤيتها التنموية. من الناحية العلمية، يفتح الباب أمام دراسات مقارنة مع كشوفات مشابهة في الشرق الأوسط، مثل تل البركة في سوريا أو مواقع في الأردن.
خاتمة
اكتشاف أول مقبرة من العصر الحديدي في منطقة العين يمثل لحظة فارقة في تاريخ الآثار في الإمارات العربية المتحدة. ليس فقط لأنه يثري معرفتنا بالماضي، بل لأنه يذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي في وجه التقدم الحضري. مع استمرار الحفريات، من المتوقع أن يتم الكشف عن المزيد من الأسرار، مما يعزز مكانة الإمارات كوجهة عالمية للبحث الأثري. في النهاية، يظل هذا الكشف تذكيراً بأن تاريخنا هو جزء أساسي من هويتنا، وأنه يجب علينا الحرص على حمايته للأجيال القادمة.