جمال قرن المنازل يتوج بجائزة أفلام السعودية
قليلة هي القرى التي تستطيع أن تلفت أنظار الناس وتترك أثراً دائماً في ذاكرتهم، لكن قرية قرن المنازل، المعروفة أيضاً باسم السيل الكبير، شمال مدينة الطائف، تمثل استثناءً بارزاً. هذه القرية ليست مجرد نقطة جغرافية، بل هي مزيج فريد من الجوانب الدينية والثقافية والطبيعية. كونها ميقاتاً لضيوف الرحمن، حيث يبدأ الحجاج رحلتهم المقدسة، تجعلها مكاناً يحمل قيمة روحية عميقة. إلى جانب ذلك، تتميز بمناظرها الخلابة من الوديان الخضراء والجبال الشامخة، بالإضافة إلى تراثها العريق الذي يعود إلى عصور مضت، مما يجعلها وجهة تجمع بين الجمال البصري والتاريخ الحي.
قرن المنازل: قرية تجمع بين التراث والطبيعة
في هذه القرية، يتجلى التوازن بين الحياة الريفية البسيطة والأبعاد الدينية، كما أبرز ذلك فيلم وثائقي أنتج حديثاً. الفيلم، الذي أخرجه مشعل مريزيق الثبيتي، ركز على استكشاف تفاصيل الحياة اليومية في قرن المنازل، حيث يعيش السكان في هدوء وسط الطبيعة الغناء. هذا العمل الفني لم يكن مجرد سرد للأحداث، بل كان مزيجاً إبداعياً يعكس كيفية اندماج الريفية الجغرافية مع الطابع الديني، مما ساهم في فوزه بجائزة أفضل مدينة سعودية في مهرجان أفلام السعودية في النسخة الحادية عشرة. يروي الفيلم قصصاً عن تقاليد العيش في القرية، مثل الاعتماد على الموارد الطبيعية والاحتفاظ بالممارسات الثقافية المتوارثة، مما يعطي صورة حية عن مجتمع يحافظ على هويته رغم مرور الزمن.
بالإضافة إلى الفوز المحلي، تم ترشيح الفيلم لمهرجانات دولية بارزة مثل مهرجان lift-off Session ومهرجان اليوتوبيا السينمائي، مما يؤكد على جودته الفنية العالمية. هذا العمل الأول للمخرج مشعل مريزيق الثبيتي لم يكن فردياً، بل شكل جهداً جماعياً شارك فيه أبناء الطائف من مختلف المهارات. على سبيل المثال، تولى شاكر عبدالستار بيك إدارة التصوير، بينما كان تركي مريزيق الثبيتي المشرف العام. استشارات ثقافية قدمها بندر سهيل الثبيتي وخلف معيض الثبيتي، مع مساهمات في التصوير الفوتوغرافي من فهد الزيادي، وتصميم البوستر من مها الثبيتي. حتى الجوانب اللوجستية تمت بمساعدة فيصل الثبيتي ومريزيق الثبيتي، وشملت التصوير داخل قصر تاريخي يملكه ماجد سعيد الثبيتي، الذي يحمل في جدرانه تاريخاً من الحضارات.
السيل الكبير: وجهة دينية وريفية
يستمر السيل الكبير في جذب الاهتمام كوجهة تجمع بين الجانب الديني كميقات مقدس والبعد الريفي الذي يعكس بساطة الحياة. هذا الجمع بين العناصر يمنح القرية طابعاً فريداً، حيث يشعر الزائرون بالهدوء والروحانية في آن واحد. الفيلم لم يقتصر على وصف المناظر الطبيعية، بل غاص في تفاصيل الثقافة المحلية، مثل الطقوس اليومية والاحتفالات التقليدية التي تربط السكان بأرضهم. هذا التراث العريق يشمل قصصاً عن كيفية تعامل السكان مع الطبيعة، مثل الزراعة في الوديان والاعتماد على المياه المتدفقة من الجبال، مما يعزز من هوية القرية كرمز للتوازن بين الإنسان والمحيط.
بالنظر إلى مستقبل قرن المنازل، يبدو أنها ستظل مصدر إلهام للعديد من الأعمال الفنية والثقافية. الفيلم لم يكن نهاية المسيرة، بل بداية لاستكشاف أكبر لمثل هذه القرى النائية التي تحتفظ بكنوزها الخفية. في عالم يتسارع فيه التحديث، تذكرنا قرية السيل الكبير بأهمية الحفاظ على التراث والطبيعة، مما يجعلها نموذجاً يحتذى به. هذا الاندماج بين الديني والريفي يعزز من جاذبيتها، ويفتح أبواباً للسياحة الثقافية التي تعزز الاقتصاد المحلي وترفع من مكانة المناطق الريفية في السعودية. بهذا الشكل، تستمر القرية في رسم ملامحها كقصة حية تروى جيلاً بعد جيل.