كنوز تاريخية في مكتبة آل عبد المتعالي: وثائق ومخطوطات نادرة تعود إلى 204 هـ

في مكتبة الباحث محمد بن علي آل عبدالمتعالي المنزلية، تجمع بين التراث والمعرفة مجموعة غنية من الوثائق والمخطوطات والمشجررات والصور التي ترسم صورة حية لمنطقة عسير، إنسانها ومكانها، بالإضافة إلى كتب متنوعة تغطي مختلف العلوم والمعارف. كان الزائر يحلم لسنوات بزيارة هذا المكان، ولم يتحقق ذلك إلا مؤخراً، حيث كشفت المكتبة عن كنوز لم تكن مفاجئة تماماً، إذ كان يعرف اهتمام صاحبها بالتاريخ والتوثيق والبحث عن النوادر. ما أدهش الزائر حقاً هو الاستعداد الذهني لآل عبدالمتعالي، الذي يبدو كأنه يحمل ذاكرة حية للتاريخ، حيث كانت الوثيقة دائماً حاضرة في أي نقاش يتعلق بمنطقة عسير أو الجدل التاريخي.

مكتبة آل عبدالمتعالي: كنوز التراث والتاريخ

هذه المكتبة ليست مجرد مجموعة من الكتب، بل هي فضاء واسع يعكس جهد الباحث في جمع التراث. اختار آل عبدالمتعالي موقعاً بارزاً يطل على فناء فسيح، يستمد سحره من أشعة الشمس في أبها وهواءها العليل، إلى جانب دفء الكتب وأحاديث العظماء والصور التي التقطها في شبابه. بدأ اهتمامه بهذا التراث بفضل انتمائه إلى أسرة كبيرة في عسير، حيث شُغل بالجمع الكتبي في عام 1396هـ، والتصوير في 1394هـ، ثم جمع كتب عائلته في 1398هـ، ليؤسس مكتبة خاصة شاملة في 1399هـ. النتيجة كانت مخطوطات نادرة تعود إلى العصور السابقة مثل 900هـ و1168هـ و1181هـ، ومشجررات منذ 204هـ، بالإضافة إلى ألبومات صور نادرة وعشرات الآلاف من الكتب التي تهيمن عليها المواضيع التاريخية.

المرجع الثمين للباحثين في عسير

تُعد مكتبة آل عبدالمتعالي من أبرز المكتبات الخاصة في المنطقة، حيث يلجأ إليها الباحثون لاستكشاف تاريخ عسير، مما ساهم في كتابة العديد من الدراسات الجامعية والبحوث الأكاديمية. يشكرها الكتاب والمؤرخون في أعمالهم، إذ تقدم وثائق تؤكد أو تنفي الأحداث، ويشجع صاحبها الباحثين على الاستفادة منها دون تردد. رغم حبه لمنطقته رجال ألمع، فإنه لا يقع في التعصب، بل يوسع نطاقه ليشمل مناطق أخرى مثل سراة عبيدة وأحد رفيدة، محتفظاً بمخطوطات وصور ومقابلات تتناول تاريخ عسير كاملاً. يعبر آل عبدالمتعالي عن قلقه من شتات الجهود وقلة الباحثين المحليين الذين يستطيعون استنطاق هذه الكنوز، متوجهاً بالعتب إلى بعض الأكاديميين الذين يتجاهلون الإرث المحلي لصالح مواضيع أخرى مثل تاريخ الأمويين أو العثمانيين. ومع ذلك، يبقى متفائلاً، حيث أصدر عشرات الكتب والمجلات ليضع المعلومات بين أيدي الآخرين، آملاً أن تلهم الباحثين لإعادة صياغتها بعلمية أكبر.

أثناء الجلسة في المكتبة، كان الحوار يمتد لساعات، حيث أشاغب الزائر بأسئلة واعتراضات، لكن آل عبدالمتعالي يرد بتواضع دون تعصب، مما يعكس عمق معرفته. خرجت من هناك سعيداً، ومع ذلك، متسائلاً عن دور الباحثين في عسير. أوجه نداءً إليهم: أليس من الواجب عليكم الكتابة عن أسواقها وأعرافها، عاداتها وتقاليدها، علمائها ومعالمها، وإنسانها في حياته الاجتماعية والاقتصادية؟ إن آل عبدالمتعالي قد سهل عليكم الكثير من خلال مكتبته، فهل لن تكونوا جزءاً من هذا الجهد لتاريخ أحق بجهودكم من تلك المواضيع المنهوبة بالبحث؟ هذه المنطقة تستحق أن تتوحد الجهود لتكتب كتابة تليق بأهلها ومكانها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *