عكاظ تشيّع عبدالمجيد علي.. حارس ذاكرة 65 عاماً
لم يمنح القدر لعبدالمجيد محمد علي، العضو المؤسس الراحل في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، الفرصة الكافية ليشارك كل ما يحمله ذاكرته عن رحلة هذه الصحيفة العريقة. فقد رحل اليوم، تاركًا وراءه تراثًا من الخبرات والروايات التي لم تُسرد بالكامل، محافظًا على شعرة الود مع الجميع. كان يبوح ببعض الذكريات في أوقات متفرقة، لكنه لم يغوص في التفاصيل العميقة، ربما خوفًا من إثارة الخلافات أو الإساءة إلى أي من الشخصيات التي عاشرها. اليوم، ومع رحيله، نعود لنتأمل فيما تركه من إرث، سواء من خلال صور قديمة أو رسائل مختصرة عبر وسائل التواصل، فهو كان يفضل الاختصار في كلامه، كما في حياته. لم نستغل وجوده بالشكل الذي يستحقه، فهو كان شاهدًا عيانًا على تطور عكاظ منذ انطلاقتها في عام 1960، حيث بدأ كمحرر في عددها الأول تحت قيادة أحمد عبدالغفور عطار، صاحب الامتياز ورئيس التحرير.
عكاظ: رحلة الصحافة والتغيير
في مسيرة عكاظ، جسد عبدالمجيد محمد علي نموذجًا للالتزام بالصحافة والثقافة معًا، حيث جمع بين عمله المهني وعلاقاته الاجتماعية العميقة مع أدباء وفنانين في العالم العربي. كان يؤكد دائمًا على دور الدكتور هاشم عبده هاشم في تعزيز مكانة عكاظ كمنصة صحفية وثقافية بارزة، بينما يعزو الفضل في إنقاذها من الركود إلى رئيس التحرير جميل الذيابي، الذي أعادها إلى الطليعة ورفع سقفها إلى أعلى المراتب. يروي الراحل تفاصيل بدايات عكاظ من شقة متواضعة في عمارة الموصلي بحارة الشام، قرب عمارة باخشب، حيث واجه صاحب الامتياز أحمد عبدالغفور عطار تحديات جسيمة. كان السهم الأولي بقيمة ألف ريال، وكل مؤسس يحق له 10 أسهم، مع خصم شهري من الرواتب لسدادها. الفريق كان محدودًا جدًا، إذ لم يكن هناك سوى موظفين اثنين: عبدالمجيد نفسه وعبدالرشيد عطار، وكانا يقومان بكل المهام، من التحرير والطباعة والتوزيع، وحتى كتابة المقالات أو تعبئة الفراغات بأي فكرة متاحة. في ذلك الوقت، كانت الصحيفة تصدر بأربع صفحات فقط، وبيعت النسخة بقرشين، ثم تولى التوزيع بايزيد عبر مكتبته الشهيرة.
كما كشف الراحل في حوار رمضاني سابق، كان الإعداد للطباعة يشمل نقل الصفحات إلى مطبعة الشربتلي، حيث يتم طبع صفحتين ثم قلبها للأخريات، ثم يبدأ التوزيع بسيارة مستأجرة. كان يدرك جيدًا التوترات الفكرية داخل الصحيفة، مثلما حدث مع المدير العام عزيز ضياء، الذي كان حداثيًا، مقابل صاحب الامتياز التراثي، أو محمد حسن عواد، الذي سبق عصره بأفكاره التقدمية، مما أدى إلى صراعات بين التقليديين والمبتكرين. وصف تلك الحقبة بـ”صحافة الأدباء”، مستذكرًا كتابًا بارزين مثل محمد سعيد عامودي، محمد عمر توفيق، محمد حسين زيدان، عبدالسلام الساسي، وأحمد وصالح جمال. لم ينسَ أن يذكر الدكتور أمين ساعاتي، الذي ساهم باهتمامه بالرياضة، والذي كان مقروءًا جدًا بين القراء. مع تحول عكاظ إلى مؤسسة، انعقدت الجمعية العمومية لترسيم هذا التغيير، مما عكس تطور الصحافة من الأفراد إلى الهيئات المنظمة.
مسيرة المؤسسة الثقافية
يبقى عبدالمجيد محمد علي رمزًا للإخلاص، فهو لم يكن مجرد محرر، بل كان جسراً بين العصور والأجيال في عكاظ. كان يفهم جيدًا كيف يجمع بين التراث والتجديد، وهو ما جعله يبني صداقات دائمة مع أعلام الثقافة. اليوم، نفتقد هذا الشاهد على التاريخ، الذي رحل تاركًا أسرته – منال، سوزان، وجدان، مروة، أمجد، وعبدالله – في حزن عميق. العزاء يقام في منزل الأسرة بحي الروضة بجدة يومي الأربعاء والخميس. صحيفة عكاظ، التي آلمها نبأ الفقدان، تقدم تعازيها الحارة لأهل الفقيد، سائلة الله أن يغفر له ويرحمه، وأن يمن عليه بالجنة. إننا لله وإننا إليه راجعون، فالرحيل يذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث الذي بناه أمثال عبدالمجيد، الذي جعل من عكاظ أكثر من مجرد صحيفة؛ إنها جزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي.