عبدالعزيز النهاري: المثقف الذي ترك بصمة في ذاكرة الإعلام
في عالم الإعلام السعودي، يظل التراث الحقيقي مرتبطًا بأولئك الذين يجسدون توازنًا بين المهنية والإنسانية، حيث تتحول الكلمات إلى درر من الحكمة ويصبح الإعلام تعبيرًا عن العدل والمعرفة. كان الدكتور عبدالعزيز النهاري نموذجًا بارزًا لهذا الانسجام، حيث جمع بين عمق الفكر ونقاء الروح، رافعًا من شأن المهنة إلى مستوى فن رفيع.
عبدالعزيز النهاري: ملامح الإعلام السعودي الناضج
لم يكن الدكتور عبدالعزيز النهاري مجرد صحفي أو أكاديمي، بل كان شخصية شاملة تجمع بين التميز المهني والحساسية الإنسانية. بدأ مسيرته في الصحافة بسيرة هادئة ومتروية، تتقدم بخطى واثقة دون هرولة نحو الشهرة. تدرج من مناصب مختلفة حتى وصل إلى رئاسة تحرير صحيفة “البلاد”، ثم “عكاظ”، حيث كان صوته يعكس توازنًا يجمع بين الإقناع والحوار دون إفراط في الصخب أو التهرب من الحقيقة. آمن دائمًا بأن القيمة الحقيقة للصحافة تكمن في العمق والتأثير المستدام، لا في الوهج المؤقت الذي يتلاشى مع الزمن. هذا النهج جعله يركز على بناء جدارة حقيقية تؤثر في المجتمع، مما جعل كتاباته ومقالاته مرجعًا للعديد من المهتمين بالشأن الإعلامي.
في حياته، لم يقتصر دور النهاري على غرف التحرير وحدها، بل امتد إلى عوالم العلم والتعليم. كان أستاذًا جامعيًا متخصصًا في علوم المكتبات والمعلومات، حيث درس في جامعات مرموقة مثل ميشيغان ولوس أنجلوس، ثم عاد إلى وطنه ليشارك خبراته بشكل متواضع وغير متباهٍ. كان يغرس المعرفة في طلابه كزرعة يرعاها بكل حنان، محافظًا على تواضعه رغم إنجازاته. لم يكن ينظر إلى زملائه أو الشباب المحيطين به بنظرة تنافسية، بل كان يقدم الفرص والتشجيع كأب يبارك نجاح أبنائه، مما جعل منه رمزًا للتعاون والاحترام في البيئة الأكاديمية والإعلامية.
المسيرة الإنسانية للصحفي الراقي
مع مرور السنوات، لم يتوقف النهاري عن إسهامه رغم تحديات الصحة، فظل يكتب ويشارك بصوته الحكيم والمعتدل، متمسكًا بقيمه حتى آخر لحظاته. رحيله كان هادئًا كما كانت حياته، دون ضجيج أو إعلانات درامية، مما يعكس كيف عاش: بكرامة وتوازن. في النهاية، يبقى عبدالعزيز النهاري أكثر من مجرد صحفي أو أكاديمي؛ كان ذاكرة حية للإعلام السعودي، ضميرًا يحرس المعرفة، ونبيلًا يجسد التوازن في كل لحظة. ترك إرثًا يذكرنا بأن النجاح الحقيقي يأتي من دمج العقل بالقلب، والمهنة بالإنسانية، مما يلهم الأجيال الجديدة في مجال الإعلام والتعليم. إن قصته ليست مجرد سيرة شخصية، بل هي دروس حية في كيفية بناء مجتمع أفضل من خلال الكلمة المسؤولة والسلوك النبيل.